فصل: إعطاء الزكاة للحكومات المعاصرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.3 و4- الآباء والأبناء:

اتفق الفقهاء: على أنه لا يجوز إعطاء الزكاة إلى الاباء والاجداد، والأمهات، والجدات، والابناء، وأبناء الابناء، والبنات وأبنائهن، لأنه يجب على المزكي أن ينفق على آبائه وإن علوا، وأبنائه، وإن نزلوا، وإن كانوا فقراء، فهم أغنياء بغناه، فإذا دفع الزكاة إليهم فقد جلب لنفسه نفعا، بمنع وجوب النفقة عليه.
واستثنى مالك الجد، والجدة، وبني البنين، فأجاز دفعها إليهم لسقوط نفقتهم.
هذا في حالة ما إذا كانوا فقراء، فإن كانوا أغنياء، وغزوا متطوعين في سبيل الله، فله أن يعطيهم من سهم سبيل الله، كما له أن يعطيهم من سهم الغارمين، لأنه لا يجب عليه أداء ديونهم، ويعطيهم كذلك من سهم العاملين، إذا كانوا بهذه الصفة.

.5- الزوجة:

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة.
وسبب ذلك، أن نفقتها واجبة عليه، تستغنى بها عن أخذ الزكاة، مثل الوالدين، إلا إذا كانت مدينة فتعطى من سهم الغارمين، لتؤدي دينها.

.6- صرف الزكاة في وجوه القرب:

لا يجوز صرف الزكاة إلى القرب التي يتقرب بها إلى الله تعالى، غير ما ذكره في آية: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} فلا تدفع لبناء المساجد والقناطر، وإصلاح الطرقات، والتوسعة على الاضياف، وتكفين الموتى وأشباه ذلك.
قال أبو داود: سمعت أحمد -وسئل- يكفن الموتى من الزكاة؟

قال: لا، ولا يقضى من الزكاة دين الميت وقال: يقضى من الزكاة دين الحى، ولا يقضى منها دين الميت. لأن الميت لا يكون غارما. قيل: فإنما يعطى أهله. قال: إن كانت على أهله فنعم.

.من الذي يقوم بتوزيع الزكاة:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث نوابه، ليجمعوا الصدقات، ويوزعها على المستحقين، وكان أبو بكر وعمر يفعلان ذلك لا فرق بين الأموال الظاهرة والباطنة فلما جاء عثمان، سار على النهج زمنا، إلا أنه لما رأى كثرة الأموال الباطنة، ووجد أن في تتبعها حرجا على الأمة وفي تفتيشها ضررا بأربابها، فوض أداء زكاتها إلى أصحاب الأموال.
وقد اتفق الفقهاء على أن الملاك هم الذين يتولون تفريق الزكاة بأنفسهم، إذا كانت الزكاة زكاة الأموال الباطنة.
لقول السائب بن يزيد: سمعت عثمان بن عفان يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هذا شهر زكاتكم، فمن كان منكم عليه دين فليقض دينه، حتى تخلص أموالكم فتؤدوا منها الزكاة رواه البيهقي بإسناد صحيح.
وقال النووي: ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين.
وإذا كان للملاك أن يفرقوا زكاة أموالهم الباطنة فهل هذا هو الافضل؟ أم الافضل أن يؤدوها للامام ليقوم بتوزيعها؟.
المختار عند الشافعية: أن الدفع إلى الإمام، إذا كان عادلا أفضل.
وعند الحنابلة: الافضل أن يوزعها بنفسه، فإن أعطاها للسلطان فجائز.
أما إذا كانت الأموال ظاهرة، فإمام المسلمين ونوابه هم الذين لهم ولاية الطلب، والاخذ، عند مالك، والأحناف.
ورأي الشافعية والحنابلة في الأموال الظاهرة كرأيهم في الأموال الباطنة.
براءة رب المال بالدفع إلى الإمام مع العدل والجور:
إذا كان للمسلمين إمام يدين بالإسلام دفع الزكاة إليه عادلا كان أم جائرا، وتبرأ ذمة رب المال بالدفع إليه.
إلا انه إذا كان لا يضع الزكاة موضعها، فالافضل له أن يفرقها بنفسه على متسحقيها إلا إذا طلبها الإمام أو عامله عليها.
1- فعن أنس قال: أتى رجل من بني تميم، رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: حسبي يا رسول الله، إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم، إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها، فلك أجرها، وإثمها على من بدلها».رواه أحمد.
2- وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها. قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا، قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم». رواه البخاري، ومسلم.
3- وعن وائل بن حجر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله - فقال: أرأيت أن كان علينا أمراء يمنعوننا حقهم؟ فقال: «اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم» رواه مسلم.
قال الشوكاني: والأحاديث المذكورة في الباب، استدل بها الجمهور على جواز دفع الزكاة إلى سلاطين الجور، وإجزائها هذا بالنسبة لامام المسلمين في دار الإسلام.
وأما:

.إعطاء الزكاة للحكومات المعاصرة:

فقال الشيخ رشيد رضا:
ولكن أكثر المسلمين لم يبق لهم في هذا العصر حكومات إسلامية، تقيم الإسلام بالدعوة إليه، والدفاع عنه والجهاد الذي يوجبه وجوبا عينيا، أو كفائيا، وتقيم حدوده، وتأخذ الصدقات المفروضة، كما فرضها الله، وتضعها في مصارفها التي حددها - بل سقط اكثرهم تحت سلطة دول الافرنج، وبعضهم تحت سلطة حكومات مرتدة عنه، أو ملحدة فيه. ولبعض الخاضعين لدون الافرنج رؤساء من المسلمين الجغرافيين، اتخذهم الافرنج آلات لاخضاع الشعوب لهم، باسم الإسلام حتى فيما يهدمون به الإسلام، ويتصرفون بنفوذهم وأموالهم الخاصة بهم، فيما له صفة دينية، من صدقات الزكاة، والاوقاف وغيرهما. فأمثال هذه الحكومات، لا يجوز دفع شيء من الزكاة لها، مهما يكن لقب رئيسها، ودينه الرسمي. وأما بقايا الحكومات الإسلامية، التي يدين أئمتها ورؤساؤها بالإسلام، ولا سلطان عليهم للاجانب في بيت مال المسلمين، فهي التي يجب أداء الزكاة الظاهرة لائمتها. وكذا الباطنة، كالنقدين إذا طلبوها، وإن كانوا جائرين في بعض أحكامهم، كما قال الفقهاء. انتهى.

.استحباب اعطاء الصدقة للصالحين:

الزكاة تعطى للمسلم، إذا كان من أهل السهام، وذوي الاستحقاق، سواء أكان صالحا أم فاسقا إلا إذا علم أنه سيستعين بها على ارتكاب ما حرم الله، فإنه يمنع منها، سدا للذريعة، فإذا لم يعلم عنه شئ، أو علم أنه سينتفع بها، فإنه يعطى منها.
وينبغي أن يخص المزكي بزكاته أهل الصلاح والعلم، وأرباب المروءات، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المؤمن، ومثل الايمان، كمثل الفرس في آخيته يجول، ثم يرجع إلى آخيته. وإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الايمان. فأطعموا اطعامكم الاتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين» رواه أحمد، بسند جيد، وحسنه السيوطي.
وقال ابن تيمية: فمن لا يصلي من أهل الحاجات، لا يعطى شيئا حتى يتوب، ويلتزم أداء الصلاة.
وهذا حق، فإن ترك الصلاة إثم كبير، لا يصح أن يعان مقترفه، حتى يحدث لله توبة.
ويلحق بتارك الصلاة، العابثون، والمستهترون الذين لا يتورعون عن منكر، ولا ينتهون عن غي، والذين فسدت ضمائر هم، وانطمست فطرهم، وتعطلت حاسة الخير فيهم.
فهؤلاء لا يعطون من الزكاة إلا إذا كان العطاء يوجههم الوجهة الصالحة ويعينهم على صلاح أنفسهم، بإيقاظ باعث الخير، واستثارة عاطفة التدين.

.نهي المزكي أن يشتري صدقته:

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المزكي أن يشتري زكاته حتى لا يرجع فيما تركه لله عزوجل، كما نهى المهاجرين عن العودة إلى مكة، بعد أن فارقوها مهاجرين.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر رضى الله عنه حمل على فرس في سبيل الله، فوجده يباع، فأراد أن يبتاعه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك» رواه الشيخان، وأبو داود، والنسائي.
قال النووي: هذا نهي تنزيه، لا تحريك فيكره لمن تصدق بشئ أو أحوجه في زكاته، أو فكفارة نذر، ونحو ذلك من القربات أن يشتريه ممن دفعه هو إليه أو يهبه، أو يتملكه باختياره، فأما إذا ورثه منه فلا كراهة فيه.
وقال ابن بطال: كره أكثر العلماء شراء الرجل صدقته لحديث عمر هذا.
وقال ابن المنذر: رخص في شراء الصدقة الحسن، وعكرمة وربيعة، والاوزاعي.
ورجع هذا الرأي ابن حزم، واستدل بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني، إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين، فتصدق على المسكين، فأهداها المسكين للغني».

.استحباب اعطاء الزكاة للزوج والاقارب:

إذا كان للزوجة مال، تجب فيه الزكاة، فلها أن تعطي لزوجها المستحق من زكاتها، إذا كان من أهل الاستحقاق، لأنه لا يجب عليه الانفاق عليه.
وثوابها في إعطائه أفضل من ثوابها إذا أعطت الاجنبي.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن زينب امرأة ابن مسعود قالت: يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حلى، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده، أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم «صدق ابن مسعود، زوجك، وولدك أحق من تصدقت به عليهم» رواه البخاري.
وهذا مذهب الشافعي، وابن المنذر، وأبي يوسف، ومحمد، وأهل الظاهر، ورواية عن أحمد.
وذهب أبو حنيفة، وغيره: إلى أنه لا يجوز لها أن تدفع له من زكاتها، وقالوا: إن حديث زينب ورد في صدقة التطوع، لا الفرض.
وقال مالك إن كان يستعين بما يأخذه منها على نفقتها فلا يجوز.
وإن كان يصرفه في غير نفقتها جاز.
وأما سائر الاقارب كالاخوة، والاخوات، والاعمام والاخوال، والعمات والخالات، فإنه يجوز دفع الزكاة إليهم، إذا كانوا مستحقين، في قول أكثر أهل العلم.
لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي القرابة اثنتان: صلة، وصدقة» رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه.

.إعطاء طلبة العلم من الزكاة دون العباد:

قال النووي: ولو قدر على كسب يليق بحاله، إلا أنه مشتغل بتحصيل بعض العلوم الشرعية، بحيث لو أقبل على الكسب لانقطع عن التحصيل، حلت له الزكاة، لأن تحصيل العلم فرض كفاية.
وأما من لا يتأتى منه التحصيل فلا تحل له الزكاة إذا قدر على الكسب، وإن كان مقيما بالمدرسة هذا الذى ذكرناه هو الصحيح المشهور.
قال: وأما من أقبل على نوافل العبادات - والكسب يمنعه منها، أو من استغراق الوقت بها - فلا تحل له الزكاة بالاتفاق، لأن مصلحة عبادته قاصرة عليه، بخلاف المشتغل بالعلم.
اسقاط الدين عن الزكاة قال النووي في المجموع: لو كان على رجل معسر دين، فأراد أن يجعله عن زكاته وقال له: جعلته عن زكاتي فوجهان: أصحهما، لا يجزئه، وهو مذهب أحمد، وأبي حنيفة، لأن الزكاة في ذمته، فلا يبرأ إلا بإقباضها.
والثاني: يجزئه، وهو مذهب الحسن البصري.
وعطاء، لأنه لو دفعه إليه، ثم أخذه منه جاز، فكذا إذا لم يقبضه.
كما لو كانت له دراهم وديعة، ودفعها عن الزكاة، فإنه يجزئه، سواء قبضها، أم لا.
أما إذا دفع الزكاة، بشرط أن يردها إليه عن دينه فلا يصح الدفع، ولا تسقط الزكاة بالاتفاق.
ولا يصح قضاء الدين بذلك بالاتفاق، ولو نويا ذلك، ولم يشترطاه، جاز بالاتفاق، وأجزأه عن الزكاة، وإذا رده إليه عن الدين، برئ.

.نقل الزكاة:

أجمع الفقهاء على جواز نقل الزكاة إلى من يستحقها، من بلد إلى أخرى إذا استغنى أهل بلد المزكي عنها.
أما إذا لم يستغن قوم المزكي عنها، فقد جاءت الأحاديث مصرحة بأن زكاة كل بلد تصرف في فقراء أهله، ولا تنقل إلى بلد آخر، لأن المقصود من الزكاة، إغناء الفقراء من كل بلد، فإذا أبيح نقلها من بلد - مع وجود فقراء بها - أفضى إلى بقاء فقراء ذلك البلد محتاجين.
ففي حديث معاذ المتقدم «أخبرهم: أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم».
وعن أبي جحيفة قال: قدم علينا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا، فكنت غلاما يتيما، فأعطاني قلوصا. رواه الترمذي وحسنه.
وعن عمران بن حصين: أنه أستعمل على الصدقة، فلما رجع قيل له: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعناه حيث كنا نضعه. رواه أبو داود، وابن ماجه.
وعن طاوس قال: كان في كتاب معاذ: من خرج من مخلاف إلى مخلاف، فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته. رواه الاثرم في سننه.
وقد استدل الفقهاء بهذه الأحاديث: على أنه يشرع صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله، واختلفوا في نقلها من بلدة إلى بلدة أخرى، بعد إجماعهم على أنه يجوز نقلها إلى إلى من يستحقها إذا استغنى أهل بلده عنها، كما تقدم.
فقال الأحناف: يكره نقلها، إلا أن ينقلها إلى قرابة محتاجين لما في ذلك من صلة الرحم، أو جماعة هم أمس حاجة من أهل بلده، أو كان نقلها أصلح للمسلمين، أو من دار الحرب إلى دار الإسلام، أو إلى طالب علم،
أو كانت الزكاة معجلة قبل تمام الحول، فإنه في هذه الصور جميعها، لا يكره النقل.
وقالت الشافعية: لا يجوز نقل الزكاة، ويجب صرفها في بلد المال، إلا إذا فقد من يستحق الزكاة، في الموضع الذي وجبت فيه.
فعن عمرو بن شعيب: أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند - إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدم على عمر، فرده على ما كان عليه، فبعث إليه بثلث صدقة الناس، فأنكر ذلك عمر، وقال: «لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس، فترد على فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت اليك بشئ وأنا أجد أحدا يأخذه مني».
فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقة، فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه، فقال معاذ: ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا. رواه أبو عبيد.
وقال مالك: لا يجوز نقل الزكاة، إلا أن يقع بأهل بلد حاجة، فينقلها الإمام إليهم، على سبيل النظر والاجتهاد.
وقالت الحنابلة: لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر.
ويجب صرفها في موضع الوجوب أو قربه، إلى ما دون مسافة القصر.
قال أبوداود: سمعت أحمد، سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد؟ قال: لا قيل: وإن كان قرابته بها؟ قال: لا فإن استغنى عنها فقراء أهل بلدها جاز نقلها، واستدلوا بحديث أبي عبيد المتقدم.
قال ابن قدامة: فإن خالف ونقلها أجزأته، في قول أكثر أهل العلم فإن كان الرجل في بلد، وماله في بلد آخر، فالمعتبر ببلد المال، لأنه سبب الوجوب ويمتد إليه نظر المستحقين فإن كان بعضه حيث هو، وبعضه في بلاد أخرى، أدى زكاة كل مال، حيث هو.
هذا في زكاة المال، أما زكاة الفطر، فإنها تفرق في البلد الذي وجبت عليه فيه، سواء كان ماله فيه، أم لم يكن لأن الزكاة تتعلق بعينه - وهو سبب الوجوب - لا المال.
الخطا في مصرف الزكاة: تقدم الكلام على من تحل لهم الصدقة، ومن تحرم عليهم.
ثم إنه لو أخطأ المزكي، وأعطى من تحرم عليه، وترك من تحل له دون علمه، ثم تبين له خطؤه، فهل يجزئه ذلك، وتسقط عنه الزكاة، أم أن الزكاة لا تزال دينا في ذمته، حتى يضعها موضعها؟ اختلفت أنظار الفقهاء في هذه المسألة: فقال أبو حنيفة، ومحمد، والحسن، وأبو عبيدة: يجزئه ما دفعه ولا يطالب بدفع زكاة أخرى.
فعن معن بن يزيد قال: كان أبي أخرج دنانير، يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت. فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن» رواه أحمد، والبخاري.
والحديث، وإن كان فيه احتمال كون الصدقة نفلا، إلا أن لفظ: «ما» في قوله: «لك ما نويت» يفيد العموم.
ولهم أيضا في الاحتجاج حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: قال رجل: «لاتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق فقال: اللهم لك الحمد لا تصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لاتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني. فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على غني فقال. اللهم لك الحمد على زانية، وعلى سارق، وعلى غني، فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته وأما الزانية، فلعلها أن تستعف به عن زناها. وأما الغني، فلعله أن يعتبر، فينفق مما آتاه الله عز وجل» رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي سأله الصدقة: «إن كنت من تلك الاجزاء أعطيتك حقك» وأعطى الرجلين الجلدين، وقال: «إن شئتما أعطيتكما منها، ولاحظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب».
قال في المغني، ولو اعتبر حقيقة الغني، لما اكتفى بقولهم.
وذهب مالك، والشافعي، وأبو يوسف، والثوري، وابن المنذر: إلى أنه لا يجزئه دفع الزكاة، إلى من لا يستحقها، إذا تبين له خطؤه وأن عليه أن يدفعها مرة أخرى إلى أهلها، لأنه دفع الواجب إلى من لا يستحقه فلم يخرج من عهدته، كديون الآدميين.
ومذهب أحمد: إذا أعطى الزكاة من يظنه فقيرا، فبان غنيا، ففيه روايتان: رواية بالاجزاء، ورواية بعدمه.
فأما إن بان الآخذ عبدا، أو كافرا، أو هاشميا، أو ذا قرابة للمعطي، ممن لا يجوز الدفع إليه لم يجزئه الدفع إليه، رواية واحدة، لأنه يتعذر معرفة الفقير من الغني دون غيره {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف}.